بقي ابن مخلد ... والإبداع في طلب العلم
في إحدى البحوث الحديثة حول الظروف التي سادت حياة المشاهير قبل حصولهم على الشهرة تبين أن حوالي 82% من الأفراد الذين تمت دراستهم قد عايشوا عدداً من الراشدين في وقت مبكر من حياتهم و أن 68% ترعرعوا في ظل وجود بعض الراشدين الذين كانوا يعملون في مجالات يمكنها ان توصلهم إلى الشهرة ، و أن 63% منهم تعرفوا على مشاهير في مرحلة مبكرة من العمر.
و تبين في مستوى عمري آخر أن ما يزيد على نصف الحائزين على جائزة نوبل في العلم قد تعلموا على أيدي بعض من سبق لهم الحصول على هذه الجائزة ، و توحي هذه الحقائق بأن وجود من يقتدي بهم من المبدعين قد يكون أمرا جوهرياً بالنسبة لتطور العبقرية العلمية وﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﺒﺮ اﻷﺟﻴﺎل ﻗﺪ ﻻ ﻳـﺘـﻄـﻠـﺐ داﺋﻤﺎ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺸﺨﺼﻲ المباشر بين اﻷﺳﺎﺗﺬة اﻟﻨﺎﺿﺠـين وﺑين المعجبين اﻟﺼﻐﺎر ؛ ﻓﺎﻟﻨﺸﺄة أو اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ أزﻣﻨﺔ اﳊﻴﻮﻳﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ أو اﻟﻔﻨﻴﺔ اﳉـﻤـﺎﻟـﻴـﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻗﺪ ﺗﻔﻀﻲ ﺑﺬاﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻄﻮر اﻹﺑﺪاﻋﻲ .(1)
و تبين في مستوى عمري آخر أن ما يزيد على نصف الحائزين على جائزة نوبل في العلم قد تعلموا على أيدي بعض من سبق لهم الحصول على هذه الجائزة ، و توحي هذه الحقائق بأن وجود من يقتدي بهم من المبدعين قد يكون أمرا جوهرياً بالنسبة لتطور العبقرية العلمية وﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﺒﺮ اﻷﺟﻴﺎل ﻗﺪ ﻻ ﻳـﺘـﻄـﻠـﺐ داﺋﻤﺎ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺸﺨﺼﻲ المباشر بين اﻷﺳﺎﺗﺬة اﻟﻨﺎﺿﺠـين وﺑين المعجبين اﻟﺼﻐﺎر ؛ ﻓﺎﻟﻨﺸﺄة أو اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ أزﻣﻨﺔ اﳊﻴﻮﻳﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ أو اﻟﻔﻨﻴﺔ اﳉـﻤـﺎﻟـﻴـﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻗﺪ ﺗﻔﻀﻲ ﺑﺬاﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻄﻮر اﻹﺑﺪاﻋﻲ .(1)
ـ بقي ابن مخلد ... نموذج للإبداع في طلب العلم :
بقي بن مخلد ابن يزيد الأندلسي القرطبي، الحافظ، صاحب " التفسير " و " المسند "ولد في سنة 200هـ تقريبا، أو قبلها بقليل ، وكان يقول عن نفسه إني لأعرف رجلا، كان تمضي عليه الأيام في وقت طلبه العلم، ليس له عيش إلا ورق الكرنب الذي يرمي ـ الكرنب هو الملفوف ـ ، وسمعت من كل من سمعت منه في البلدان ماشيا إليهم على قدمي ! .
خرج بقي بن مخلد من الأندلس إلى بغداد، وكان همه و بغيته ملاقاة الإمام أحمد بن حنبل ، قال: فلما قربت من بغداد بلغتني محنة الإمام أحمد ، وأنه ممنوع من التدريس و كذلك من الالتقاء بالناس ، فاغتممت غما شديدا، فنزلت بغداد، و استأجرت غرفة في فندق ، ثم أتيت الجامع وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فتوجهت إلى حلقة مكتظة بطلبة العلم ، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين عالم الجرح و التعديل .
ففرجت لي فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا: - رحمك الله - رجل غريب ناء عن وطنه، يحب السؤال، فلا تستجفني، فقال: قل ، فسألت عن بعض من لقيته، فبعضا زكى، وبعضا جرح، فأطلت في السؤال، فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك - رحمك الله - غيرك له سؤال.
فقلت - وأنا واقف على قدم سؤالي الأخير : اكشف عن رجل واحد فقط عن : أحمد بن حنبل، فنظر إلي يحيى ابن معين كالمتعجب ، و رمقتني أعين الحضور بالتعجب و الاستغراب و ظل الجميع يترقب جواب ابن معين ،
فقال لي: ومثلنا، نحن نكشف عن أحمد ؟ ! مثلي يُسأل عن احمد بن حنبل ؟ ذاك إمام المسلمين، وخيرهم و فاضلهم
فخرجت و قد عزمت على لقاء الإمام و الأخذ عنه مهما حدث فذهبت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه، فقرعت بابه، فخرج إلي، فقلت: يا أبا عبد الله: رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث ومقيد سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك، فقال: ادخل الاصطوان أي صحن الدار ولا تدع أحدا يراك .
فدخلت، فقال لي: وأين موضعك ؟ قلت: المغرب الأقصى.
فقال: إفريقية ؟ قلت: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية، بلدي الأندلس، قال: إن موضعك لبعيد، وما كان شئ أحب إلي من أن أحسن عون مثلك، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك.
و هنا يقوم بقي ابن مخلد بحيلة إبداعية تمكنه من لقاء الإمام و التلقي عنه يوميا دون أن يشعر به احد ، لقد سطر لنا بقي ابن مخلد لوحة رائعة في تجاوز التحديات و التحليق فوق العقبات بأفكار إبداعية تفتح لنا أبواب الممكن ،
يقول بقي ابن مخلد :فقلت للإمام : بلى قد بلغني أمر المحنه و لكن هذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم فلا يعرفني أحد ، فإن أذنت لي أن آتي كل يوم في زي المتسولين ، فأقول عند الباب ما يقولون ، فتخرج إلي في صحن الدار ، فلو لم تحدثني كل يوم إلا بحديث واحد، لكان لي فيه كفاية.
فقال لي: نعم ، على شرط أن لا تحضر المجالس العامة حتى لا يكتشف أمرك .
فقلت: لك شرطك ، فكنت آخذ عصا بيدي ،وألف رأسي بخرقة مدنسة وسخة ، وآتي بابه فأصيح:الأجر - رحمك الله – و هو نداء المتسولين هناك ، فيخرج إلي، و يدخلني صحن الدار ثم يغلق الباب ويحدثني بالحديثين والثلاثة و الأكثر، فالتزمت ذلك حتى مات مسبب الفتنة ،و تغيرت الأحوال ، و ظهر أحمد بن حنبل، وعلت إمامته، وكانت يأتيه الناس من كل مكان و يكتظ مجلسه ، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي مكانا قربه و أجلسني معه ،ثم يقص على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة ، ويقرؤه علي وأقرؤه عليه.
خرج بقي بن مخلد من الأندلس إلى بغداد، وكان همه و بغيته ملاقاة الإمام أحمد بن حنبل ، قال: فلما قربت من بغداد بلغتني محنة الإمام أحمد ، وأنه ممنوع من التدريس و كذلك من الالتقاء بالناس ، فاغتممت غما شديدا، فنزلت بغداد، و استأجرت غرفة في فندق ، ثم أتيت الجامع وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فتوجهت إلى حلقة مكتظة بطلبة العلم ، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين عالم الجرح و التعديل .
ففرجت لي فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا: - رحمك الله - رجل غريب ناء عن وطنه، يحب السؤال، فلا تستجفني، فقال: قل ، فسألت عن بعض من لقيته، فبعضا زكى، وبعضا جرح، فأطلت في السؤال، فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك - رحمك الله - غيرك له سؤال.
فقلت - وأنا واقف على قدم سؤالي الأخير : اكشف عن رجل واحد فقط عن : أحمد بن حنبل، فنظر إلي يحيى ابن معين كالمتعجب ، و رمقتني أعين الحضور بالتعجب و الاستغراب و ظل الجميع يترقب جواب ابن معين ،
فقال لي: ومثلنا، نحن نكشف عن أحمد ؟ ! مثلي يُسأل عن احمد بن حنبل ؟ ذاك إمام المسلمين، وخيرهم و فاضلهم
فخرجت و قد عزمت على لقاء الإمام و الأخذ عنه مهما حدث فذهبت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه، فقرعت بابه، فخرج إلي، فقلت: يا أبا عبد الله: رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث ومقيد سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك، فقال: ادخل الاصطوان أي صحن الدار ولا تدع أحدا يراك .
فدخلت، فقال لي: وأين موضعك ؟ قلت: المغرب الأقصى.
فقال: إفريقية ؟ قلت: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية، بلدي الأندلس، قال: إن موضعك لبعيد، وما كان شئ أحب إلي من أن أحسن عون مثلك، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك.
و هنا يقوم بقي ابن مخلد بحيلة إبداعية تمكنه من لقاء الإمام و التلقي عنه يوميا دون أن يشعر به احد ، لقد سطر لنا بقي ابن مخلد لوحة رائعة في تجاوز التحديات و التحليق فوق العقبات بأفكار إبداعية تفتح لنا أبواب الممكن ،
يقول بقي ابن مخلد :فقلت للإمام : بلى قد بلغني أمر المحنه و لكن هذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم فلا يعرفني أحد ، فإن أذنت لي أن آتي كل يوم في زي المتسولين ، فأقول عند الباب ما يقولون ، فتخرج إلي في صحن الدار ، فلو لم تحدثني كل يوم إلا بحديث واحد، لكان لي فيه كفاية.
فقال لي: نعم ، على شرط أن لا تحضر المجالس العامة حتى لا يكتشف أمرك .
فقلت: لك شرطك ، فكنت آخذ عصا بيدي ،وألف رأسي بخرقة مدنسة وسخة ، وآتي بابه فأصيح:الأجر - رحمك الله – و هو نداء المتسولين هناك ، فيخرج إلي، و يدخلني صحن الدار ثم يغلق الباب ويحدثني بالحديثين والثلاثة و الأكثر، فالتزمت ذلك حتى مات مسبب الفتنة ،و تغيرت الأحوال ، و ظهر أحمد بن حنبل، وعلت إمامته، وكانت يأتيه الناس من كل مكان و يكتظ مجلسه ، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي مكانا قربه و أجلسني معه ،ثم يقص على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة ، ويقرؤه علي وأقرؤه عليه.

ـ محصلة :
ـ مصاحبة المبدعين من أفضل الوسائل التي تصقل و تنمي القدرات الإبداعية .
ـ الإبداع يساعدنا في ابتكار وسائل جديدة و متنوعة و غير متوقعة لتذليل العقبات و تجاوز الصعوبات التي نواجهها أثناء طلب العلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ كتاب العبقرية و الابداع و القيادة ، دين كيث سايمنتن ، ترجمة د. شاكر عبدالحميد ، ص 60 .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق