السبت، 31 يناير 2015

(ثلاث كلمات حول الشأن التونسي)2/2


(ثلاث كلمات حول الشأن التونسي)
الجزء الثاني
ـ الكلمة الثالثة  : الانتفاظة التونسية و فقه التغيير:
الانتفاظة التونسية حدث هام في تأريخ الأمة الإسلاميه و جاء على خلاف التوقعات ، و مشروعيته لا تحتاج الا دليل مصداقا لقول الشاعر :
فليس يصح في الاذهان شيء    اذا احتاج النهار الى دليل
 فهذه الانتفاظة المباركة هي انتفاظة الاحرار ضد الظلم و الطغيان و التعسف و الحرمان الذي طال العديد من أوجه الحياة الكريمة ، بل انه طال الشعائر التعبدية و التي تعد دوائر غاية في الحساسة لدى جميع المسلمين ، عن أُمِّ المؤمنين أم سلمة ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قَالَ : (( إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعرِفُونَ وتُنْكِرُونَ ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ أنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ )) قَالوا : يَا رَسُول اللهِ ، ألا نُقَاتِلهم ؟ قَالَ : (( لا ، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصَّلاةَ )) رواه مسلم .
فمن اجترأ على منع الصلاة و محاربة من يؤديها في رزقه و التضييق عليه فقد أجاز للشعب منابذته و الخروج عليه  ؛ و عليه فالجميع مطالب بانكار المنكر و انكار الظلم ، فمَنْ كَرِهَ بِقَلْبهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إنْكَاراً بِيَدٍ وَلا لِسَانٍ فقَدْ بَرِىءَ مِنَ الإِثْمِ ، وَأَدَّى وَظيفَتَهُ ، وَمَنْ أَنْكَرَ بحَسَبِ طَاقَتِهِ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ هذِهِ المَعْصِيَةِ وَمَنْ رَضِيَ بِفِعْلِهِمْ وَتَابَعَهُمْ فَهُوَ العَاصِي .
ـ الأمانه تقتضي النصح :
يبدأ النقص و التردي في أحوال الأمم و المجتمعات بتهاون العلماء و المفكرين و العقلاء و الصالحين من الأخذ على يد الظالم و تبصيره بعيوبه و مكامن الخلل لديه و النصح له بالحسنى و المجاهدة في تأطيره على الحق أطرا و قصره عليه قصرا ؛ فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ ، فَيَقُولُ : يَا هَذَا، اتَّقِ الله ودَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الغَدِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ، فَلا يَمْنَعُهُ ذلِكَ أنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وَشَريبَهُ وَقَعيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ ضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ )) ثُمَّ قَالَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ } - إِلَى قوله - {فاسِقُونَ } [ المائدة : 78- 81 ]
ثُمَّ قَالَ : (( كَلاَّ، وَاللهِ لَتَأمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ ، وَلَتَأخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ ، وَلَتَأطِرُنَّهُ عَلَى الحَقِّ أطْراً ، وَلَتَقْصُرُنَّه عَلَى الحَقِّ قَصْراً ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ ليَلْعَننكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
ـ اذا هما امران لا ثالث لهما الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الإخلاص في طلب الصلاح أو اختلاف القلوب و الاحتراب  الداخلي ثم اللعن ! ، فالإصلاح و النصح صماما أمان لحفظ المجتمع و الامة من مغبة الإحتراب الداخلي و الطرد من رحمة الله قال تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)) التوبه، و لا بد من الإشارة الى بعض قواعد الامر المعروف و النهي عن المنكر :
أولا : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فرض كفاية بالنسبة لمجموع الناس فإذا قام به البعض سقط عن الآخرين و إذا لم يقم به أحد أثم الجميع ، يأثم القادر لعدم قيامه بما يلزمه و يأثم العاجز لعدم دعم القادر و حضه على ذلك ، و قد انكر الله سبحانه و تعالى على من تخاذل عن الحض على طعام المسكين (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)) الفجر ؛
قد ينقلب فرض الكفاية الى فرض عين اذا تعين على شخص بعينه و لم يوجد غيره أو تخاذل القادرون ، فإذا كان عالم واحد في القرية فبيان حكم الله و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فرض عين في حقه و كذلك بالنسبة للطبيب و هكذا،و اما انكار المنكر بالقلب فهو امر واجب وجوب عيني على كل مؤمن.
ثانيا : الأمر بالمعروف لا بد ان يكون بمعروف و النهي عن المنكر لا بد ان يكون بغير منكر .
ثالثا : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يكون في الأمور المجمع على كونها واجبات أو كونها منكرات ، أما المسائل المختلف فيها فلا يجوز فيها الأمر أو الإنكار و انما فيها الحوار و الحض و البيان المشفوع بالدليل .
رابعا : درجات الإنكار :
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ )) رواه مسلم .
1.  الإنكار باليد لصاحب السلطان في سطانه كالحاكم مع الرعية و كرب الاسرة مع افراد اسرته و الاستاد مع تلاميذه و يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية .
2.  الإنكار بالكلمة المنطوقة او المقروءة لمن ملك وسائل البيان كالعلماء و المصلحين و الباحثين و غيرهم من اهل الرأي، أو لمن عجز عن التغيير باليد لأي سبب و أمكنه الكلام .
3.   الانكار بالقلب واجب على كل مؤمن في قلبه مثقال ذرة من ايمان عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا مِنْ نَبيٍّ بَعَثَهُ اللهُ في أمَّة قَبْلِي إلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأصْحَابٌ يَأخُذُونَ بِسنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ  يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلسَانِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلبِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ ، وَلَيسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَل )) رواه مسلم .
خامسا : أحوال ممارسة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر:
1.    اذا غلب على الظن ان المنكر يزول و يخلفه معروف او منكر اقل منه فيجب على القادر الامر و النهي في هذه الحالة .
2.    اذا غلب على الظن ان المنكر يزول ويخلفه منكر أشد منه أو أكبر منه فيجب الامتناع عن الامر و النهي في مثل هذه الحالة .

3.    ان يغلب على الظن ان المنكر يزول و يخلفه منكر مثله فالامر مباح .
هاشم العريمي 

(ثلاث كلمات حول الشأن التونسي) 1/2

(ثلاث كلمات حول الشأن التونسي)
الجزء الاول
الكلمة الاولى :قانون الاستدراج المباغتة :
لقد جرت سنة الله في خلقه ان يمهل الظالمين و يمد لهم مدا ، قال تعالى (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ...(75)) مريم ، حتى يأمنوا العذاب و يركنوا الى ما هم عليه من فساد ،  فيلبس الشيطان على الناس و عليهم شأنهم فيظنون انهم اقوم قيلا اهدى سبيلا فتتعاظم نفوسهم في نفوسهم و هم في ذلك غارين بإمهال الله غافلين عن قانون الاستدراج و المباغته ، الاستدراج الذي يمهل و لكنه لا يهمل و المباغتة التي تحيط بالظالمين فتقتلعهم من جذورهم، ثم تتركهم مبلسين ـ آيسين من كل خير ـ،  وقد ذكر المولى سبحانه و تعالى هذ القانون في قوله تعالى (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)) الانعام.
استدراج ثم مباغته فعن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : (ان  الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم تلا قوله تعالى (كَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)) هود  .
إن المولى سبحانه حذر عباده من هذا المصير المؤسف و امرهم باتباع الأحسن لدنياهم و آخرتهم و لكن ابى الظالمون الا كفورا قال تعالى :(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)) الزمر
و لقد تعجب سيد قطب ـ رحمه الله ـ من شأن البشر فقال:
وأعجب العجب في البشر أن يد الله تعمل من حولهم ، وتأخذ بعضهم أخذ عزيز مقتدر ، فلا يغني عنهم مكرهم وتدبيرهم . ولا تدفع عنهم قوتهم وعلمهم ومالهم . . وبعد ذلك يظل الذين يمكرون يمكرون ، ويظل الناجون آمنين لا يتوقعون ان يؤخذوا كما أخذ من قبلهم ومن حولهم ، ولا يخشون أن تمتد إليهم يد الله في صحوهم أو في منامهم ، في غفلتهم أو في استيقاظهم ، والقرآن الكريم يلمس وجدانهم من هذا الجانب ليثير حساسيتهم للخطر المتوقع ، الذي لا يغفل عنه إلا الخاسرون : قال تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ؟ (45)) ..
 (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ .... ) وهم يتقلبون في البلاد ، من بلد إلى بلد للتجارة والسياحة أو غير ذلك { ..... فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) } لله سبحانه و تعالى، ولا يبعد عليه مكانهم في حل أو ترحال .
{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) } فإن يقظتهم وتوقعهم و استعدادهم ـ أي الظالمين ـ لا يرد يد الله عنهم فهو قادر على أخذهم وهم متأهبون قدرته على أخذهم وهم لا يشعرون؟ ولكن ربكم ايها الناس رؤوف رحيم .
و رغم كل ذلك لا يزال الذين يمكرون السيئات لاجون في مكرهم سادرون في غيهم لا يثوبون ولا يتقون .(1)
الكلمة الثانية :الانتحار حرام :
استساغ البعض فكرة الانتحار بناء على النتائج الغير متوقعه لحادثة انتحار البوعزيزي في تونس و  قد جعل البعض تلك النتيجه سببا وجيها لأضفاء الشرعية على جريمة الانتحار و اعتبارها وسيلة مباحة مشروعة للتغيير، و في هذا التوجه مغالطة للشرع و العقل ، فالنتائج لا تعبر بالضرورة عن مشروعية الأفعال ، ان ذلك الانتحار لو انه لم يحدث تلك النتيجة لسمعت الفتاوى الواضحه في تجريمه و تحريمه من الفقهاء و العوام كذلك ! و لما اجترأ غيره على تلك الفعلة ، و يجب ان نكون على  ادراك ان الاسلام يشترط في احداث أي تغيير أن تكون وسائل التغيير مشروعة بنفس الدرجة التي يشترط فيها ان تكون اهداف و غايات التغيير مشروعة فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة مرفوض في الاسلام ، وقد جاء في تحريم الإنتحار نصوص محكمة قاطعة صحيحه صريحه منها :
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)) سورة النساء .
قال الشيخ الشعراوي رحمه الله : أي لا يقتل كل واحد منكم نفسه ، وهذا ما يفعله المنتحر .
و جاء في التفسير المنير للزحيلي : وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ معناه في الظاهر النهي عن قتل المؤمن نفسه في حال غضب أو ضجر (وهو الانتحار).
ـ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَل نَفْسَه بِحَدِيدَةٍ فحديدته في يَدِهِ، يَجَأ بها بَطْنه يوم القيامة في نار جَهَنَّمَ خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو مُتَرد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا". صحيح البخاري برقم (5778) وصحيح مسلم برقم (109).
ـ عن جُنْدب بن عبد الله البَجَلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان رَجُلٌ ممن كان قبلكم وكان به جُرْح، فأخذ سكينًا نَحَر بهَا يَدَهُ، فما رَقأ الدَّمُ حتى ماتَ، قال الله عز وجل: عَبْدِي بادرنِي بِنَفْسه، حرَّمت  عليه الْجَنَّة"صحيح البخاري (1364، 3463) وصحيح مسلم (113).
ـ الانتحار جريمه في حق الذات و سوء ظن بالخالق سبحانه و تعالى  :
الانتحار جريمة لا بد ان  تكون هذه المسألة واضحة ، ولا يقتل نفسه إلا إنسان وجد نفسه في ظرف لا يستطيع في حدود أسبابه أن يخرج منه ، فلم يستشعر وجود الله فقطع الاتصال به ثم اتخذ قراره على انه سدى مهمل ، و غفل عن قوله تعالى (ايحسب الانسان ان يترك سدى).
المؤمن لا يعزل نفسه عن خالقه؛ فساعة يأتيه ظرف فوق أسبابه ولا يقوي عليه فعليه أن يفكر : وهل أنا في الكون وحدي؟ لا ، إن لي ربّاً . وما دام لي رب فأنا لا أقدر وهو - سبحانه - يقدر ، وهنا يطرد فكرة الانتحار؛ فمن فقد أسبابه فعليه أن يتصل بأسباب السماء .
ثم يرد سؤال جوهري لِمَ يقتل الإنسان نفسه؟.
و هل أنت أيها الانسان من وهبت الحياة لنفسك؟ و هل يحق لك الاعتداء على نفسك اذا ما خالفتك الظروف ؟  إن واهب الحياة سبحانه و تعالى وحده فقط من له الحق في سلب الحياة من عبادة متى شاء و كيف شاء .(2)
ـ الحكم على المعيين بالجنة او النار :
و رغم تأكيدنا على حرمة الانتحار و عقوبته الواردة في النصوص عموما ، إلا أن هذا التعميم لا يقتضي تخصيص الحكم على المعينين ـ أي شخص بعينه ـ فلا يجوز ان نقول ان فلان بن فلان في النار لأنه انتحر و ذلك للأسباب التالية :
1.  الحكم على الناس بالجنة و النار ليس من شأن العباد  و انما هو شأن الخالق سبحانه فهو القائل سبحانه و تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)) النساء  ، عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء - امرأة من الأنصار بايعت النبي {صلى الله عليه وسلم} - أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة ً قالت فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} وما يدريك أن الله أكرمه فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أما هو فقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ، قالت ام العلاء : فوالله لا أزكي بعده أحداً يا رسول الله .
2.    عدم جزمنا بتمام قصد المنتحر على فعله فقد يكون اراد التهديد بالانتحار فسبقت يده او ارتبك فلم يستطع تدارك الامر .
3.  قد يكون المنتحر وقت اقدامه على الانتحاره فاقدا لأهليته بجنون طارئ او نحو ذلك ، او انه في حالة من عدم الادراك الكامل لما يفعله ، و قد ذهب جماهير الفقهاء الى عدم اعتبار طلاق الغضبان غضبا يفقده الادراك لإنعدام الارادة فكيف نحكم على شخص قد يكون وصل الى حالة من عدم الادراك بسبب غضب او حزن او جزع او غير ذلك و هذا الاحتمال وارد لكون الامر الذي يقدم عليه لا يطيقه و لا يجرء عليه عاقل .
4.  قد يحدث المنتحر توبة مقبوله قبل ان تبلغ روحه الحلقوم ، دون ان يشعر به الآخرون أو قد يكون ممن غفر الله له بمشيئته سبحانه قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) ) ، قال سبحانه:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) ) النساء.
و مما يؤكذ ذلك ما رواه الامام مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِىَّ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ هَلْ لَكَ فِى حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَى ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلَّذِى ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصَارِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ مَعَهُ الطُّفَيْلُ وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ فَمَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِى مَنَامِهِ فِى هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَهُ فَقَالَ لَهُ : مَا لِى أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَكَ؟ قَالَ قِيلَ لِى لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّ الطُّفَيْلُ رُؤْيَاهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِى الصَّحِيحِ و البيهقي في السنن الكبرى و احمد في المسند .
و في الحديث ما يفيد عدم الجزم لقاتل نفسه بالنار و فيه جواز الدعاء للمنتحر .
ـ قال الامام النووي : من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار بل هو فى حكم المشيئة .(3)
ملاحظة :  يجب ان نفرق بين من قتل نفسه احتجاجا على الظلم ، و بين من قتله الظلمة لأنه احتج على الظلم فالأول منتحر و الثاني شهيد و شتان بين الحالين .
اما الكلمة الثالثة فسنتناولها في الجزء الثاني من الموضوع
ــــــــــــــــــــــ
في ظلال القرآن لسيد قطب تفسير سورة النحل الايات من (45) ـ (47) بتصرف .
تفسير الشيخ الشعرواي بتصرف .
شرح صحيح مسلم للنووي ج 2 ص 131و 132 .



أفضل ما قرأت و سمعت في عام 2011م

أفضل ما قرأت و سمعت في عام 2011م
مضى عام بحلوه و مره ، عسره و يسره ، أمله و ألمه ....
و استقبلنا عاما جديدا بآمال الشباب ، آمال الحرية و العدالة و  الرخاء و العطاء و العلم و العمل و التقدم اللامحدود ،
لقد آثرت استقبال هذا العام بهذا المقال الذي أرجو أن يكون خفيفا على قلوب الأحباب كما أرجو أن لا يحرمنا أحباب قلوبنا من مشاركتهم و تفاعلهم .
أنت ما تقرأه ...
 مقولة أرسلها لي احد الإخوة الأفاضل ، و كنت قد قرأتها من قبل  في بعض الكتب التي تعنى بتنمية الذات ، إلا أني الآن أجدني في حاجة للوقوف على درجة مصداقيتها و دقتها .
أنت ما تقرأه ...كلمة قالها بعض الحكماء و فيها إشارة إلى أهمية القراءة و أثرها في تكوين الشخصية و لكني أعتقد أنها ليست دقيقة في جميع مضامينها ، ذلك لأنها تختزل مفهوم الشخصية الإنسانية بكل تفاعلاتها و عواطفها و خبراتها في مجموعة المعارف التي يكتسبها الإنسان عن طريق القراءة فقط.
و رغم ذلك فما أزال اجزم بأن القراءة من المكونات الرئيسة إن لم تكن المكون الرئيس للشخصية الفاعلة المؤثرة و المتميزة ، و هي الأداة الرئيسة و الأكثر فاعلية في نقل المعارف و التجارب و الخبرات الإنسانية من جيل إلى جيل و جاء في إحدى الدراسات أن 70% من المعارف التي يكتسبها  الإنسان إنما يتحصل عليها عن طريق القراءة .
إن تغير الزمان و انفتاح العالم ، و تنامي المعرفة البشرية بشكل غير مسبوق ، و سهولة انسياب المعلومة ، جعل كل مثقف في تحدي يومي متجدد لردم الهوة الحضارية و المعرفية بينه و بين كل ما هو جديد في عالم المعرفة ، ففي كل يوم تشرق شمسه هناك الكثير من الكتب التي تطبع و الأبحاث التي تنشر و المقالات التي تكتب و البرامج التي تذاع و التي تمس مسار الإنسان و المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر ،  كل هذا يخلق المزيد من الحاجة للقراءة و الاطلاع لكل من يرغب في أن يعيش عصره بكفاءة و اقتدار و قد جاء في النص القرآني المقدس ( و قل رب زدني علما ).
فالقراءة و الاطلاع أهم مكون من مكونات التجدد العلمي و المعرفي فمن لا يقرأ لا يرقى و من لا يتجدد يتبدد و من لا يتقدم يتقادم و من لا يتعلم حتما سيتألم .
إن الجهل في عصر العلم والمعرفة و التقانة المتقدمة و التكنلوجيا المتطورة يعد ضربا من ضروب الموت الأدبي !، و ذلك للتوسع المستمر في الفضاء الفاصل بين العلم و الجهل و بين التحضر و التخلف ، و قد يعزى ذلك لما يتسم به هذا العصر من نمو متسارع في نوع المعارف و حجمها ، و هذا الكلام يعني ضمن ما يعنيه أن الفرص المتاحة للجاهل و قليل الخبرات و التجارب و قليل الإطلاع ستكون حتما أقل من غيره ممن حرص على القراءة و الاطلاع و المتابعة و التفاعل مع التقدم الحضاري ، كما أن الفرص المتاحة للمعرضين عن العلم و التفاعل الحضاري ، لن تكون كافية لتوفير الحياة الكريمة في زمن يتسم بكثير من التحديات و قد قال الإمام الشافعي رحمه الله :
ومن لم يذق مر التعلم ساعة            تجرع كأس الذل طول حياته
مع مشارف انقضاء عام 2011م  وصلتني رسالة نصية من الأخ الفاضل يحيى البلوشي و هو طالب بالكلية التقنية و كانت الرسالة تحتوي على الأسئلة التالية  :
ما هو أفضل كتاب قرأته خلال العام أي 2011؟
و ما هو أفضل برنامج شاهدته ؟
و ما هي أفضل حكمة أو مثل أو شعار سمعته ؟
استلطفت الرسالة و لكني احترت في تحديد الأفضل و ذلك لتعدد المواضيع و الكتب و المقولات  و البرامج التي  اطلعت عليها خلال العام ، كما ان معيار الأفضلية في الجهد البشري نسبي و ليس مطلق ، بالإضافة إلى  أن الحكم على الأفضلية يحتاج إلى شيء من التقيد فأفضل كتاب في الطب ليس أفضل كتاب في الجيولوجيا أو التاريخ كما أن أفضل كتاب في الفقه ليس أفضل كتاب في الهندسة فتحديد جانب من الجوانب المعرفية يجعل العملية أكثر سهولة و دقة ، و رغم هذا الحوار الداخلي لم أتوانى في الرد على الرسالة ، بل شرعت في إعادة إرسالها لعدد من الإخوة الأفاضل لتعميم الفائدة ، فتجاوب معي بعضهم ، و رأيت في ردودهم مادة طيبة يمكن نشرها و الاستفادة منها خاصة أنهم من أعمار مختلفة و مستويات علمية متفاوتة و تخصصات متنوعة فقمت بتسطير ردودهم في هذا الجدول و هو عبارة عن خلاصة أراء نخبة من القراء المطلعين ـ مع العلم بان السؤال لا يتناول كتابنا المقدس (القرآن الكريم) ـ ، فإليك الحصيلة خالصة سائغة للقارئين:
التخصص
الكتاب
البرنامج
حكمة  او مثل او شعار اعجبك
دكتور و أكاديمي
لا تحزن . عائض القرني
برنامج حواري أ مصطفى قناة المحور
من التراب و إلى التراب و من التراب نخرج
إمام و خطيب أزهري
النبأ العظيم .محمد عبدالله دراز
ضاعف وزنك للثويني
تذهب لذة المعصية و يبقى  إثمها و وزرها و تذهب مشقة الطاعة و يبقى أجرها و ثوابها
مدرب محترف
طريق الصين
ــ
الحبل ينقطع من الجزء الفاسد
مشرف تربوي
مدير المستقبل / ابراهيم الديب
رياح التغيير
أمور لم تأت معك عند الولادة و لن تذهب معك بعد الموت فلماذا تهتم منها و تجعلها تفسد عليك حياتك
داعية و ناشط اجتماعي
1.   إدارة تطوير المؤسسات الاجتماعية
2.     مدخل إلى العمل المؤسسي .
3.   الوفادة على الله في الحج و العمرة
رياح التغيير
أصبحنا على نعم كثيرة و شكر قليل
طالب جامعي
نحو نفس مطمئنة . د طارق الحبيب
النفس و الحياة ، طارق الحبيب
الحب مواقف نترجمها أفعالا لا كلمات تغادر فينا لا تصل ابعد من حناجرنا
فني تقنية معلومات
و جاءت سكرة الموت . عائض القرني
رياح التغيير
زاحم المعصية بالطاعات
طالب جامعي
صناعة القائد . السويدان
خواطر الشقيري
إذا أردت فانك تستطيع
لقد حدثتكم عن مشاركات إخواني ، أما بالنسبة لي فما زالت الحيرة تأخذني و لكني بشيء من التركيز استطيع  أن أقول أن من أفضل ما قرأت خلال هذا العام في المجال الشرعي كتاب فتاوى معاصرة الجزء الرابع للشيخ القرضاوي حيث امتاز الكتاب بتأصيلات علمية رصينة فيما يتعلق بالعلاقة مع الآخر بالإضافة إلى تطبيقات و إيضاحات رائعة فيما يتعلق بفقه المقاصد و الموازنات ، أما على الصعيد الفكري فيمكن القول بان كتاب د.عبدالكريم بكار بعنوان تكوين المفكر يعد من الكتب الرائعة و التي استفدت منها بشكل كبير في إعادة ترتيب خارطتي الذهنية و تحسين كفاءتها في محاكمة المقولات و الأفكار ، أما في مجال السير الذاتية و النهوض الحضاري فقد استمتعت كثيرا بقراءة السيرة الذاتية لرئيس وزراء سنغافورة لي كوان يو ، فقد استعرض خطته و خطواته في بناء سنغافورة الحديثة و مراحل تحولات مراكز القوى و التأثير في المشهد السنغافوري و من أفضل ما ورد في الكتاب خطواته العملية في بناء الحكومة نظيفة اليد ! في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى حكومات نظيفة اليد و الوجه و اللسان !
طبعا لا يعني هذا الكلام الاستحسان الكامل و التأييد المطلق لكل ما ورد في هذه الكتب بل إن كل إنسان يؤخذ من كلامه و يرد إلا صاحب المقام المحمود و اللواء المعقود و الحوض المورد سيدنا محمد على أزكى الصلاة و السلام إلى يوم الخلود .
أما ما يتعلق بالبرامج  فمن أفضل البرامج التي رأيتها البرنامج الوثائقي من إنتاج الجزيرة الوثائقية عن (رجب طيب أوردغان/ رئيس وزراء تركيا) فقد تعرض البرنامج لإستعراض المرونة السياسية و الذهنية التي تحلى بها الرجل و كيف استطاع أن يقدم للأمة الإسلامية أنموذجا مرنا متزنا في التعاطي مع الشأن السياسي و الشأن العام ، ربما يعكس هذا الاختيار حبي للسير الذاتية لما يكون فيها من استعراض للتجارب البشرية بحلوها و مرها ، نجاحها و فشلها .
أما بالنسبة للحكم و المقولات فمن المقولات المعبرة ، و التي اختزلت الكثير من المعاني و المضامين في جملة واحدة قصيرة ( الشعب يريد .....) لقد اختصر هذا الشعار الكثير من الكتب و المقالات و التصريحات و التلميحات و الدراسات و التحقيقات و التعليقات و التبريرات و الآمال و الآلام كما انه خلص الشعوب من عناء اللف و الدوران و المراوغات و المجاملات .
فشعب يريد إسقاط النظام ... و شعب يريد إصلاح النظام ... و شعب يريد إعدام النظام ... و شعب يريد و يريد و يريد ....
و  في ختام هذه الكلمة أرجو من جميع الإخوة أن يشاركوا في إثراء الموضوع و ذلك بالإجابة على الأسئلة الأربعة المدونة أدناه لتحقيق مزيد من الفائدة و طرح المزيد من الكتب و البرامج و الحكم التي يمكن الاستفادة منها .

هاشم بن إبراهيم العريمي

أنا و أبو ريشة و الثورة السورية

( أنا و أبو ريشة و الثورة السورية )
يعتبر الشاعر عمر أبو ريشة من كبار شعراء و أدباء العصر الحديث وله مكانة مرموقة في ديوان الشعر العربي وهو الإنسان الشاعر الأديب الدبلوماسي الذي حمل في عقله وقلبة الحب والعاطفة للوطن وللإنسان وللتاريخ السوري والعربي وعبر في اعمالة وشعره بأرقي وأبدع الصور والكلمات والمعاني.
مولده وحياته:
ولد الشاعر الكبير عمر ابو ريشة في منبج بلدة أبي فراس الحمداني في سوريا عام 1910م ، و تلقى  تعليمه الابتدائي في حلب ، وأتم دراسته الثانوية في الجامعة الأمريكية ببيروت ،ثم أرسله والده إلى انجلتــرا عام (1930م)، ليدرس الكيمياء الصناعية ،   و بعد ثمانين حولا قضاها الشاعر عمر أبو ريشة في حياة حافلة بالعمل و السفر و الأدب توفي في الرياض يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة عام 1410هـ، الموافق 14/6/1990م وتم نقل جثمانه إلى بلده سوريا ودفن في مدينة حلب .(1)
لقد مد الباري سبحانه في عمر الشاعر حتى ناهز الثمانين عاما متنقلا بين البلاد و العباد يرى و  يسمع و يكتب و هذا بلا شك اثر في التكوين النفسي للشاعر مما جعله يتجاوب و يتفاعل مع محيطه العربي و الإسلامي بشكل كبير فثار على بعض الأوضاع السياسية في بلادة بعد الاستقلال وآمن بوحدة الوطن العربي وانفعل بأحداث الأمة العربية بشدة ، لقد كانت مشاعره الجموحة و كلماته المتأججة تثير لواعج الأنفس و تسثير معاني الكرامة و الحرية و الأنفة في الأنفس السوية .
ـ قصتي مع الشاعر :
و كأني أراه اليوم يطل علينا من قبره في حلب ، يطل علينا بوجه تعلوه ملامح الحزن و الكآبة ، و قلب تمزقه معاني القهر و الاستبداد ، لم يتوقع ان يرى ما يحدث ، لقد بكى كثيرا على الدماء المسكوبة و الأشلاء الممزقة و الأعراض المنتهكة ، طلبت منه أن يتكلم عن هذه الأحداث المؤلمة فقال بصوت أجش :
أتكلم ما ذا أتكلم ؟
أقلامي جف عليها الدم 
ولهاتي سالت في المأتم 
أتكلم ؟ هل أحمل في صدري أسرار 
أخشى أن تفشى أو تكتم 
إني لا احمل غير العار 
في الدرب الموحش والمبهم 
إني غنيت إلى الآلام فكيف عليها أتألم 
أتكلم ، أعرفني شبحا لا ظل له فوق الأرض 
في الهدأة من غصص الذكرى 
يتساءل بعضي عن بعض 
فأغض واختصر الآلام وأمسك بالريح وأمضي
ـ ... و قبل ان يمضي أمسكته من أكفانه و أنا أقول رويدا أيها الشاعر إذا لم تتكلم أنت و أمثالك فمن يتكلم إن ريشتك العصماء لم تزل تقطر بالمداد الذي ينير دروب الحرية ؟ لقد كنت سفيرا لهذا البلد العظيم يوما من الأيام ، نظر إلي و مشاعر الحزن لا تزال تعلوه ثم قال : سأبوح لك بوصيتي التي استودعتها زوجتي عندما قمت بإجراء عملية جراحية لقلبي المثخن بحب الوطن علها تؤنس بعض المنكوبين في حمص أو درعا أو القامشلي ،  لقد ظننت و أنا أكتب هذه الوصية أنها نهايتي و لكنها كانت أشبه ما يكون بالبداية... سكت قليلا ثم تنهد ... ثم قال :
رفـيقتي لا تـخبري إخوتي.. كيف الردى كيف علي اعتدى
إن يـسألوا عني وقد راعهم.. أن أبـصروا هيكلي الموصدا
لا تـقلقي لا تـطرقي خشعة.. لا تـسمحي للحزن أن يولدا
قـولي لـهم سافر قولي لهم.. إن لـه فـي كـوكب موعدا
ترقرقت عيني بالدموع و سالت دمعة نحيلة على خدي ... لم يلمحها فقلت له : أيها الشاعر ان ما يجري في سوريا من أحداث لا تستوعبه العقول ، انه إجرام تعف عن شؤمه الوحوش الضارية ؟ لماذا هذا الإمعان في القتل  ؟ لأي هدف يعيش هؤولاء الأشقياء ؟ أيها الشاعر لقد عايشت هؤولا و خبرتهم فأسألك بالله لأي هدف يقتلون ؟ و لأجل ماذا يحيا هؤولاء الأشقياء ؟ و هل الرئيس على علم بما يحدث ؟
كانت أسئلتي سخيفة بعض الشيء بالنسبة إليه و لكنه رد عليها بقوله :
تتساءلون علام يحيا هؤلاء الأشقياء ؟
المتعبون ودربهم قفر ومرماهم هباء
الواجمون الذاهلون أمام نعش الكبرياء
أنستهم الأيام ما ضحك الحياة وما البكاء
أزرت بدنياهم ولم تترك لهم فيها رجاء
تتساءلون وكيف اعلم ما يرون على البقاء ؟
امضي لشأنك، اسكتوا، هو واحد من هؤلاء (2)
استفزني الشطر الأخير و كأن الشأن السوري ليس شأني ، و كأن الدم المسكوب هناك لم ينزف من عروقي ، و كأنه يردد ما تقوله أبواق النظام عن الشأن الداخلي ، فأجبته في حنق:
أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن               أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا         بالرقمتين وبالفسطاط جيراني (3)
تبسم بغير اكتراث ثم قال لقد أسأت فهمي أيها الرجل و لعلك لم تعرفني جيدا ...؟
 قلت له: ربما ... و لكن أيها الدبلوماسي الشاعر لقد اتهمت أسدا بأنه من هؤولاء ألا تخشى أن يعدو عليك و يخرجك من قبرك ... ؟!
ارتفعت ضحكات الدبلوماسي الشاعر ثم قال لا يلام الأسد على كل ما يفعل فهو ملك الغابة و أنتم من جعله كذلك !
قلت منفعلا و قد ضقت ذرعا ببعض ضحكاته و ردوده المستفزه : و هل اللوم يسقط كذلك عن الذئاب التي كلفها الأسد بحفظ الأمن و حراسة الوطن !؟  سكت قليلا ... ثم تبسم تبسم المغضب و جال بنظره في أرجاء المكان ، ثم ارتسمت على وجهه ملامح أخر ، و صوب إلي نظرات حادة كأنها بركان يتفجر ، شعرت بشيء من السخونة يجتاح المكان ربما كانت سخونة أنفاسه أو حرارة نظراته ، ثم انهمرت من شفتيه أمواجا هادرة من الكلمات ... هي من أعذب ما سمعت من الشعر ، كلمات تحمل لوعة المحب و حرص الواعظ و حكمة المجرب و حماسه المجاهد ، درر من الحكمة ألقاها الشاعر من قلب حلب الجريح إلى الأمة ... فقال :
أمتي هل لك بين الأمم ............. منبر للسيف أو للقلم ِ!
أتلَقّاك وطرفي مطرق................خجلاً من أمسك المنصرم ِ
أمتي كم غصة دامية ........... خنقت نجوى علاك في فمي! 
ألإسرائيل تعلو راية ............. في حمى المهد وظل الحرمِ !!
كيف أغضيتِ على الذل ولم.......تنفضي عنك غبار التهم !
أو ما كنت إذا البغي اعتدى...........موجةً من لهب أو دمِ !
اسمعي نوح الحزانى واطربي.......وانظري دم اليتامى وابسمي 
ودعي القادة في أهوائها...............تتفانى في خسيس المغنمِ 
رُبَّ وامعتصماه انطلقتْ............. ملء أفواه الصبايا اليتّمِ 
لامستْ أسماعهم لكنها............... لم تلامس نخوة المعتصمِ 
أمتي كم صنم مجدته................ لم يكن يحمل طهر الصنمِ 
لا يُلام الذئبُ في عدوانه........... إن يكُ الراعي عدوَّ الغنم ِ
فاحبسي الشكوى فلولاك لما......كان في الحكم عبيد الدرهمِ
لقد قالها بصوت واضح لا لبس فيه  :
فاحبسي الشكوى فلولاك لما     كان في الحكم عبيد الدرهم 
تصاعدت الأنفاس في صدري و تغشتني سحابة من الحزن و الكآبة ثم قلت هل تعني أننا السبب ؟ فلم يجب .... ثم كررت السؤال بصوت حزين بائس هل تعتقد أننا السبب ؟ و انتظرت الرد... و لكنه لم يكن معي في حينها ، لقد غادر إلى حيث كان ... و لكن ظلت كلماته ترن في أذني و أنا أشاهد و أشهد على ما يجري حولي من أحداث فقلت بجرأة شديدة و لكن بصوت خافت لا يسمع ... الشعب يريد إسقاط الطغاه ... ثم سكت و تلفت من حولي فلم أر أحدا ...  ثم ضحكت على نفسي من أعماق نفسي و قلت... يا الله ما لنا غيرك يا الله ...   .*
هاشم ابراهيم العريمي
ــــــــــــــــ
بالاستفادة من وكيبيديا .
2ـ تم التصرف في الكلمات التي عليها خط لتناسب الموضوع .
3ـ من قصيدة للشاعر الشيخ عائض القرني .
* المقال عبارة عن حوار خيالي افتراضي.