(ثلاث
كلمات حول الشأن التونسي)
الجزء
الثاني
ـ
الكلمة الثالثة : الانتفاظة التونسية و
فقه التغيير:
الانتفاظة
التونسية حدث هام في تأريخ الأمة الإسلاميه و جاء على خلاف التوقعات ، و مشروعيته
لا تحتاج الا دليل مصداقا لقول الشاعر :
فليس
يصح في الاذهان شيء اذا احتاج النهار
الى دليل
فهذه الانتفاظة المباركة هي انتفاظة الاحرار ضد الظلم
و الطغيان و التعسف و الحرمان الذي طال العديد من أوجه الحياة الكريمة ، بل انه
طال الشعائر التعبدية و التي تعد دوائر غاية في الحساسة لدى جميع المسلمين ، عن أُمِّ
المؤمنين أم سلمة ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قَالَ : (( إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ
عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعرِفُونَ وتُنْكِرُونَ ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ أنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ
)) قَالوا : يَا رَسُول اللهِ ، ألا نُقَاتِلهم ؟ قَالَ : (( لا ، مَا أَقَامُوا
فيكُمُ الصَّلاةَ )) رواه مسلم .
فمن
اجترأ على منع الصلاة و محاربة من يؤديها في رزقه و التضييق عليه فقد أجاز للشعب
منابذته و الخروج عليه ؛ و عليه فالجميع
مطالب بانكار المنكر و انكار الظلم ، فمَنْ كَرِهَ بِقَلْبهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إنْكَاراً
بِيَدٍ وَلا لِسَانٍ فقَدْ بَرِىءَ مِنَ الإِثْمِ ، وَأَدَّى وَظيفَتَهُ ، وَمَنْ أَنْكَرَ
بحَسَبِ طَاقَتِهِ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ هذِهِ المَعْصِيَةِ وَمَنْ رَضِيَ بِفِعْلِهِمْ
وَتَابَعَهُمْ فَهُوَ العَاصِي .
ـ
الأمانه تقتضي النصح :
يبدأ
النقص و التردي في أحوال الأمم و المجتمعات بتهاون العلماء و المفكرين و العقلاء و
الصالحين من الأخذ على يد الظالم و تبصيره بعيوبه و مكامن الخلل لديه و النصح له
بالحسنى و المجاهدة في تأطيره على الحق أطرا و قصره عليه قصرا ؛ فعن ابن مسعود - رضي
الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى
بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ ، فَيَقُولُ : يَا هَذَا،
اتَّقِ الله ودَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ
الغَدِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ، فَلا يَمْنَعُهُ ذلِكَ أنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وَشَريبَهُ
وَقَعيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ ضَرَبَ
اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ )) ثُمَّ قَالَ : { لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ
مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى
كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ
أَنْفُسُهُمْ } - إِلَى قوله - {فاسِقُونَ } [ المائدة : 78- 81 ]
ثُمَّ
قَالَ : (( كَلاَّ، وَاللهِ لَتَأمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ
، وَلَتَأخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ ، وَلَتَأطِرُنَّهُ عَلَى الحَقِّ أطْراً ،
وَلَتَقْصُرُنَّه عَلَى الحَقِّ قَصْراً ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ
عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ ليَلْعَننكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ )) رواه أَبُو داود والترمذي
، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
ـ اذا هما امران لا ثالث لهما الامر بالمعروف و النهي عن
المنكر و الإخلاص في طلب الصلاح أو اختلاف القلوب و الاحتراب الداخلي ثم اللعن ! ، فالإصلاح و النصح صماما
أمان لحفظ المجتمع و الامة من مغبة الإحتراب الداخلي و الطرد من رحمة الله قال
تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)) التوبه، و لا بد من الإشارة الى بعض قواعد الامر المعروف و
النهي عن المنكر :
أولا : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فرض كفاية بالنسبة لمجموع الناس فإذا
قام به البعض سقط عن الآخرين و إذا لم يقم به أحد أثم الجميع ، يأثم القادر لعدم
قيامه بما يلزمه و يأثم العاجز لعدم دعم القادر و حضه على ذلك ، و قد انكر الله
سبحانه و تعالى على من تخاذل عن الحض على طعام المسكين (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى
طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)) الفجر ؛
قد ينقلب فرض الكفاية الى فرض عين اذا تعين على شخص
بعينه و لم يوجد غيره أو تخاذل القادرون ، فإذا كان عالم واحد في القرية فبيان حكم
الله و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فرض عين في حقه و كذلك بالنسبة للطبيب و
هكذا،و اما انكار المنكر بالقلب فهو امر واجب وجوب عيني على كل مؤمن.
ثانيا : الأمر بالمعروف لا بد ان يكون بمعروف و النهي عن المنكر لا بد ان يكون
بغير منكر .
ثالثا : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يكون في الأمور المجمع على كونها واجبات
أو كونها منكرات ، أما المسائل المختلف فيها فلا يجوز فيها الأمر أو الإنكار و
انما فيها الحوار و الحض و البيان المشفوع بالدليل .
رابعا : درجات الإنكار :
عن
أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم
- ، يقول : (( مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ )) رواه مسلم .
1. الإنكار
باليد لصاحب السلطان في سطانه كالحاكم مع الرعية و كرب الاسرة مع افراد اسرته و
الاستاد مع تلاميذه و يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية .
2. الإنكار
بالكلمة المنطوقة او المقروءة لمن ملك وسائل البيان كالعلماء و المصلحين و
الباحثين و غيرهم من اهل الرأي، أو لمن عجز عن التغيير باليد لأي سبب و أمكنه
الكلام .
3.
الانكار بالقلب واجب على
كل مؤمن في قلبه مثقال ذرة من ايمان عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله
- صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا مِنْ نَبيٍّ بَعَثَهُ اللهُ في أمَّة قَبْلِي
إلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأصْحَابٌ يَأخُذُونَ بِسنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ
بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا
لا يُؤْمَرونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ
بِلسَانِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلبِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ ، وَلَيسَ
وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَل )) رواه مسلم .
خامسا : أحوال ممارسة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر:
1.
اذا غلب على الظن ان المنكر يزول و يخلفه معروف او منكر اقل منه فيجب على
القادر الامر و النهي في هذه الحالة .
2.
اذا غلب على الظن ان المنكر يزول ويخلفه منكر أشد منه أو أكبر منه فيجب
الامتناع عن الامر و النهي في مثل هذه الحالة .
3.
ان يغلب على الظن ان المنكر يزول و يخلفه منكر مثله فالامر مباح .
هاشم العريمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق