الأحد، 22 مارس 2015

الفساد بين مكافحته ... و مكافئته (10)



الفساد بين مكافحته ... و مكافئته (10)

بهذا المقال اختم حديثي حول مكافحة الفساد من وحي التجربة الماليزية ...

ـ ثالثا : خطوات مكافحة الفساد (تابع ):

6. الارتقاء بالمنظومة القضائية :


قضايا الفساد لها خصوصية و في الغالب يصعب على المحاكم العادية ان تتعامل معها بشكل جيد نظرا لكون المفسد يعتمد على مناطق الفراغ القانوني التي لا يستطيع من خلالها القاضي العادي إدانته رغم ظهور فساده ، كما ان كبار المفسدين في الغالب هم من طبقة كبار المسئولين و كبار التجار و أصحاب نفوذ ، لذا فنحن في حاجة الى العمل على بناء منظومة قضائية متكاملة و متماسكة تستطيع التعامل مع قضايا الفساد بايجابية و حزم و تقلل من فرص الاختراق و أقترح تأسيس محكمة خاصة أو دوائر خاصة ـ على اقل تقدير ـ لقضايا الفساد يتم تعين و تكوين قضاتها وفق منهجية خاصة يراعى فيه الدرجة العلمية و الخلفية الثقافية و قوة الشخصية و القدرة على التعامل مع التقنية و فهمها و كذلك الكفاءة في استيعاب المتغيرات ... و لا نحتاج لضرورة التأكيد على أهمية وجود نظام رقابة داخلي واضح و صارم يحصن هذه المؤسسة و قضاتها من الفساد .

7. فضح المفسدين :


 اعتقد ان التعاطي مع كبار المفسدين بسياسة الستر و الدعاء لهم بالصلاح وفق سياسة ( يوسف اعرض عن هذا و استغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين ) غير مجد و يشجع أكثر مما يردع و لنا في امرأة العزيز عبرة ...النصح للمفسدين في الخفاء و هم يمارسون الفساد في العلن غير مجد ... ترسيخ مبدأ الستر على من نهب أموال البلد و قدم مصلحته الشخصية على مصلحة وطنه ، و تسبب في تأخر جيل بأكمله غير مجد. قال تعالى (... و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) هذه الآية ترسخ لمبدأ العقوبة المعنوية التي تشكل رادع نفسي و معنوي و اجتماعي قد يكون تأثيره أكبر من تأثير الرادع المادي ، ان عقوبة الفضح تحفز المجتمع و القبيلة و الأسرة على ردع أبناءها من الوقوع في المحضور كما أنها تعزز شعور الجميع بالمسؤولية الاجتماعية تجاه السلوكيات الخاطئة ، و قد يقول قائل لماذا نفضحه عفا الله عما سلف ؟ نقول و لماذا يفسد و الله لا يحب الفساد ؟
ان سياسية فضح صغار المخالفين ـ التي تنتهجها بعض الدول ـ من خلال نشر أسمائهم و صورهم و ربما أحيانا عناوين منازلهم و أرقام قمصانهم ....! في مقابل الصمت المطبع عن أساطين الفساد يعكس نفوذ كبار المفسدين في أجهزة الدولة ، و يؤدي في المقابل إلى إضعاف هيبة الدولة و التشكيك في مصداقيتها .
من أساسيات الحكم الرشيد بسط هيبة الدولة على الجميع و لنا في خليفة المسلمين ابي بكر قدوة حسنة فقد بين منهجه في أول خطبة يخطبها بعد ان تولى أمور المسلمين حيث قال : (القوي فيكم ضعيف عندي حتى اخذ الحق منه ، و الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له ) .
نحن لا ننكر حجم التأثيرات لمثل هذا الإجراء و تداعياته ، و لكن ما أؤمن به أن الدولة التي لا تستطيع مواجهة كبار المفسدين قبل صغارهم ستخسر مصداقيتها في الداخل والخارج ، أعتقد انه من المهم إعادة النظر في كيفية التعاطي مع يتم إدانتهم في قضايا فساد فالعقوبة يجب ان تكون رادعة و معبرة عن حجم الجرم ... 
هاشم العريمي
(هذا المقال جزء من سلسلة مقالات حول التجربة الماليزية و هي عبارة عن توثيق للرحلة التي قام بها الكاتب الى ماليزيا ضمن برنامج تدريبي بعنوان التجربة الماليزية في الفترة من 16 - 21 / 4 / 2014م )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق