عودة السلطان و آفاق المستقبل
ـ مقدمة :
الحمد
لله الذي بنعمته تتم الصالحات رفيع الدرجات غافر الزلات و الصلاة و السلام على
المبعوث رحمة للعالمين الهادي الامين سيدنا و شفيعنا يوم الدين محمد ابن عبدالله و
على اله و صحبه و من والاه .
ابتهج
الشعب مساء الاثنين 23/3/2015 م بعودة السلطان بعد رحلة علاج دامت لأكثر من 7 شهور
و هي اطول مدة يقضيها السلطان بعيدا عن أرض الوطن ، و لهذه الفرحة العارمة التي
اجتاحت البلاد من أقصاها الى اقصاها دلالات يمكننا الوقوف على بعضها من خلال
النقاط التالية :
· تعبر
هذه البهجة عن مشاعر الامتنان و الشكر و العرفان للسلطان ـ حفظه الله ـ على كل ما
قام به من تنمية و تحسين لأوضاع الوطن و المواطن منذ توليه السلطة عام 1970م و
التي شكلت نقلة نوعية للبلد وضعتها على خارطة العالم المتحضر .
· تجدد
الأمل و تطلع العمانيون لمزيد من الاصلاحات و دفع عجلة التنمية التي تباطأت بشكل
ملحوظ خلال الفترة الماضية في ظل الازمة الاقتصادية .
· التخفيف
من حدة القلق حول مستقبل البلد و التطلع لوضع آليات كفيلة بضمان انتقال سلمي
للسلطة .
· تجاوز
حالة الفراغ التي أحدثها الغياب المفاجئ للسلطان و تبعاته على الاداء الحكومي و
الامني .
ـ تحديات المستقبل :
احلام الامس حقائق
اليوم و احلام اليوم حقائق الغد هكذا قال لنا المعلم ، فالمستقبل واقع يحدث في اطار
زمني قادم يمكننا المساهمة في صناعته و رسم ملامحه في حاضرنا ، و بما ان سنة الله
في خلقة الابتلاء ( ليبلوكم ايكم أحسن عملا ) ، فمن سنة الله في خلقه كذلك ان
تختلف هذه الابتلاءات و التحديات بين الافراد و المجتمعات و الامم ، و لكل أمة نصيبها
من الابتلاءات و التحديات التي ينبغي عليها
معالجتها و تجاوزها بأفضل الوسائل و أقل التكاليف ، فتكاليف النهضة الأوربية على
سبيل المثال كانت ملايين القتلى و أضعافهم من الجرحى المعتقلين و المهجرين ، كما
ان تكاليف الاصلاحات الواسعة التي شهدتها السلطنة في عام 2011 م لم تكمن باليسيرة ،
لذا فأملنا و أمل كل عاقل ان تتوسع دائرة الاصلاحات و وتيرتها بأقل كلفة سواء على
الصعيد السياسي او الاجتماعي أو الاقتصادي ، و سوف اشير من خلال النقاط التالية الى ابرز التحديات و الابتلاءات ـ حسب ظني ـ
التي قد تواجهها مسيرة النهضة العمانية في المرحلة الراهنة و هي تتمثل حس ظني في خمس نقاط :
- الانتقال السلمي و السلس للسلطة :
- المحافظة على السلم و التماسك الاجتماعي :
- معالجة ملف الحريات العامة :
- التعديلات الضرورية في بنية الدولة :
- التنمية الاقتصادية :
ـ أولا : الانتقال السلمي للسلطة :
1ـ الصراع على السلطة :
الصراع
على السلطة حقيقة و تاريخنا القديم و الحديث يؤكدان على مركزية السلطة في الكثير
من الصراعات ، و في تاريخنا الاسلامي نجد ان أول مشكل داخلي وقع بعد وفاة الرسول
صلى الله عليه و سلم كان حول انتقال السلطة ، كما ان انتقال السلطة في دولة البوسعيد
تمت في ظروف لم تكن جميعها سلسلة بل ان انتقال السلطة الى السلطان قابوس كانت
بالطريقة التي لا تخفى عليكم ، لذا فان من الضرورة بمكان اجراء التعديلات اللازمة
لضمان انتقال سلمي سلس للسلطة يجنب البلاد و العباد مخاطر النزاع و الصراع و مما
نقترحه في هذا الصدد الاتي :
2ـ ولاية العهد :
ولاية العهد و توارث السلطة ليست بالطريقة
المثالية في انتقال الحكم ، و لكنها قد تكون الاداة الافضل للأنظمة الملكية التي تقوم على توارث الحكم في
ظل الظروف الراهنة و بما ان النظام الاساسي في عمان يقوم على توارث الحكم وفق تراتبية
معينة في الاسرة الحاكمة بينها الدستور، و في ظل الاوضاع المحلية و الاقليمية قد
يكون من الاصلح حسم مسألة انتقال السلطة من خلال تحديد و تعين ولي العهد و هو ما
يسهم في سد الابواب امام التحزبات و التحالفات والصراعات بين الاجنحة المرشحة لتولي الحكم و القوى التي
تساندها.
3ـ تعين رئيس للوزراء :
تركز
الصلاحيات في شخص السلطان ليست بالمسألة الصحية ، فالمحافظة على رمزية السلطان و هيبته
تقتضي بقاءه على مسافة واحدة بين السلطات الثلاث التنفيذية و التشريعية و القضائية
، فترأس السلطان للسلطة التنفيذية و القضائية يحول دون محاسبة السلطتين كما يحول
دون تقييم ادائهما بشكل محايد و في هذه الحالة فان المحاسبة ستنحصر على أحد جناحي السلطة
التشريعية المتمثلة في مجلس الشورى المنتخب .
رئاسة
الوزراء تعتبر خطوة مهمة لإستثمار العقول و تجديد الدماء في المنظومة الحكومية و
ضمانه جيدة للارتقاء بالأداء الحكومي و تحجيم الفساد و محاسبته و محاكمته ، بشرط
ان يكون أداء رئيس الوزراء قابلا للنقد و التقييم و ان يكون شخصه قابلا للإقالة
بناء على طلب من مجلس عمان و موافقة السلطان .
تعين
رئيس للوزراء سيساهم في ترسيخ مبدأ فصل السلطات كما سيساهم في ترسيخ حالة الاستقرار و التماسك
الوطني في ظل الظروف الاستثنائية .
ـ ثانيا : المحافظة السلم و التماسك
الاجتماعي :
من أبرز المنغصات و الابتلاءات التي تعاني منها
المجتمعات في منعطفاتها الكبرى التصدع و الشقاق الاجتماعي و هو عبارة عن حالة
تنافر افراد المجتمع و انقسامهم بناء على مواقف قد تكون سياسية او دينية او
اجتماعية أو جغرافية أو قبلية ؛
و من أخطر أسباب التصدع و التنافر الاجتماعي التعصب
والتطرف سواء كان دينيا او مذهبيا او
سياسيا او قبليا ، و يمكننا القول بان التعصب هو عبارة عن حالة من الحماس المفرط و
الولاء المطلق تجاه رأي او موقف او مدرسة فكرية او مذهب أو حزب تجعل من صاحبها في
حالة غضب و تشنج مع كل ما يخالفه ، و خصومة مع كل من يخالفه في مقابل حالة انسجام و
تجانس مع كل من يتوافق معه ، فالمتعصب لا يرى الاخر و لا يسمع له و لا يحترمه بل
يقزمه و يحتقره ؛
و عندما ينموا المتعصب و يلتحم بالسلطة تنبت له
الانياب و المخالب التي يتم توظيفها ـ غالبا ـ في اجراءات ظالمة ضد الاخر المخالف كمصادرة
حقوقه و انتهاك حرماته و تشويه سمعته بل قد يصل الامر الى مصادرة حقه في الحياة ، و
هذا ما يمكننا ان نعبره عنه بالتطرف المرتكز على السلطة و الذي بدوره يساهم في توليد
حالة مضادة يمكننا تسميتها التطرف المضاد للسلطة ، و تكمن الاشكالية في التطرف
المضاد للسلطة ان مدلوله قابل للتمدد الى تطرف ضد المجتمع فكل مواطن ليس معنا لا
حرمة لدمه و هو ما يفسر بعض الاعمال الارهابية التي يتم تنفيذها في الاماكن العامة
ضد المدنيين، الحصلة مغادرة الوسط لمصلحة الاطراف و شق المجتمع لمصلحة الافراد و
تفتيت الوطن لمصلحة الاهواء و هو أسوأ ما
يمكن تخيله في هذا الصدد .
السلم
الاجتماعي و التلاحم الوطني نعمة و المحافظة عليها واجب و لا تكون بالخطب و
المواعظ الموسمية فقط و انما بجملة امور تبدأ بالمناهج المدرسية الراشدة التي ترسخ
القيم و تعترف بالتنوع ، و العدالة الاجتماعية الواعية التي تضمن التوزيع العادل
للثروة ، المواطنة الراسخة التي تضمن تساوي
الفرص ، و لن يتم ذلك الا من خلال جملة قوانين و لوائح و اجراءات و انظمة عمل
سليمة بالإضافة الى مؤشرات رصد قادرة على قياس حالة السلم و الرضى الاجتماعي .
السلم
الاجتماعي و تماسك المجتمع و وحدة الوطن مسؤولية وطنية و اجتماعية يجب على الجميع المساهمة
في تعزيزها و المحافظة عليها .... يتبع
هاشم العريمي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق