الثلاثاء، 24 مارس 2015

عودة السلطان و آفاق المستقبل (1)

عودة السلطان و آفاق المستقبل  


ـ مقدمة :  


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات رفيع الدرجات غافر الزلات و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين الهادي الامين سيدنا و شفيعنا يوم الدين محمد ابن عبدالله و على اله و صحبه و من والاه .
ابتهج الشعب مساء الاثنين 23/3/2015 م بعودة السلطان بعد رحلة علاج دامت لأكثر من 7 شهور و هي اطول مدة يقضيها السلطان بعيدا عن أرض الوطن ، و لهذه الفرحة العارمة التي اجتاحت البلاد من أقصاها الى اقصاها دلالات يمكننا الوقوف على بعضها من خلال النقاط التالية  :
·       تعبر هذه البهجة عن مشاعر الامتنان و الشكر و العرفان للسلطان ـ حفظه الله ـ على كل ما قام به من تنمية و تحسين لأوضاع الوطن و المواطن منذ توليه السلطة عام 1970م و التي شكلت نقلة نوعية للبلد وضعتها على خارطة العالم المتحضر .
·       تجدد الأمل و تطلع العمانيون لمزيد من الاصلاحات و دفع عجلة التنمية التي تباطأت بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية في ظل الازمة الاقتصادية .
·       التخفيف من حدة القلق حول مستقبل البلد و التطلع لوضع آليات كفيلة بضمان انتقال سلمي للسلطة .
·       تجاوز حالة الفراغ التي أحدثها الغياب المفاجئ للسلطان و تبعاته على الاداء الحكومي و الامني .

ـ تحديات المستقبل  : 

احلام الامس حقائق اليوم و احلام اليوم حقائق الغد هكذا قال لنا المعلم ، فالمستقبل واقع يحدث في اطار زمني قادم يمكننا المساهمة في صناعته و رسم ملامحه في حاضرنا ، و بما ان سنة الله في خلقة الابتلاء ( ليبلوكم ايكم أحسن عملا ) ، فمن سنة الله في خلقه كذلك ان تختلف هذه الابتلاءات و التحديات بين الافراد و المجتمعات و الامم ، و لكل أمة نصيبها من  الابتلاءات و التحديات التي ينبغي عليها معالجتها و تجاوزها بأفضل الوسائل و أقل التكاليف ، فتكاليف النهضة الأوربية على سبيل المثال كانت ملايين القتلى و أضعافهم من الجرحى المعتقلين و المهجرين ، كما ان تكاليف الاصلاحات الواسعة التي شهدتها السلطنة في عام 2011 م لم تكمن باليسيرة ، لذا فأملنا و أمل كل عاقل ان تتوسع دائرة الاصلاحات و وتيرتها بأقل كلفة سواء على الصعيد السياسي او الاجتماعي أو الاقتصادي ، و سوف اشير من خلال النقاط التالية  الى ابرز التحديات و الابتلاءات ـ حسب ظني ـ التي قد تواجهها مسيرة النهضة العمانية في المرحلة الراهنة  و هي تتمثل حس ظني في خمس نقاط :
  1. الانتقال السلمي و السلس للسلطة :
  2. المحافظة على السلم و التماسك الاجتماعي :
  3. معالجة ملف الحريات العامة :
  4. التعديلات الضرورية في بنية الدولة :
  5. التنمية الاقتصادية :

ـ أولا : الانتقال السلمي للسلطة :

1ـ الصراع على السلطة :
الصراع على السلطة حقيقة و تاريخنا القديم و الحديث يؤكدان على مركزية السلطة في الكثير من الصراعات ، و في تاريخنا الاسلامي نجد ان أول مشكل داخلي وقع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم كان حول انتقال السلطة ، كما ان انتقال السلطة في دولة البوسعيد تمت في ظروف لم تكن جميعها سلسلة بل ان انتقال السلطة الى السلطان قابوس كانت بالطريقة التي لا تخفى عليكم ، لذا فان من الضرورة بمكان اجراء التعديلات اللازمة لضمان انتقال سلمي سلس للسلطة يجنب البلاد و العباد مخاطر النزاع و الصراع و مما نقترحه في هذا الصدد الاتي :
2ـ ولاية العهد :
 ولاية العهد و توارث السلطة ليست بالطريقة المثالية في انتقال الحكم ، و لكنها قد تكون الاداة الافضل  للأنظمة الملكية التي تقوم على توارث الحكم في ظل الظروف الراهنة و بما ان النظام الاساسي في عمان يقوم على توارث الحكم وفق تراتبية معينة في الاسرة الحاكمة بينها الدستور، و في ظل الاوضاع المحلية و الاقليمية قد يكون من الاصلح حسم مسألة انتقال السلطة من خلال تحديد و تعين ولي العهد و هو ما يسهم في سد الابواب امام التحزبات و التحالفات والصراعات  بين الاجنحة المرشحة لتولي الحكم و القوى التي تساندها.
3ـ تعين رئيس للوزراء :
تركز الصلاحيات في شخص السلطان ليست بالمسألة الصحية ، فالمحافظة على رمزية السلطان و هيبته تقتضي بقاءه على مسافة واحدة بين السلطات الثلاث التنفيذية و التشريعية و القضائية ، فترأس السلطان للسلطة التنفيذية و القضائية يحول دون محاسبة السلطتين كما يحول دون تقييم ادائهما بشكل محايد و في هذه الحالة فان المحاسبة ستنحصر على أحد جناحي السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشورى المنتخب  .
رئاسة الوزراء تعتبر خطوة مهمة لإستثمار العقول و تجديد الدماء في المنظومة الحكومية و ضمانه جيدة للارتقاء بالأداء الحكومي و تحجيم الفساد و محاسبته و محاكمته ، بشرط ان يكون أداء رئيس الوزراء قابلا للنقد و التقييم و ان يكون شخصه قابلا للإقالة بناء على طلب من مجلس عمان و موافقة السلطان .
تعين رئيس للوزراء سيساهم في ترسيخ مبدأ فصل السلطات  كما سيساهم في ترسيخ حالة الاستقرار و التماسك الوطني في ظل الظروف الاستثنائية .
ـ ثانيا : المحافظة السلم و التماسك الاجتماعي : 
من أبرز المنغصات و الابتلاءات التي تعاني منها المجتمعات في منعطفاتها الكبرى التصدع و الشقاق الاجتماعي و هو عبارة عن حالة تنافر افراد المجتمع و انقسامهم بناء على مواقف قد تكون سياسية او دينية او اجتماعية أو جغرافية أو قبلية ؛
و من أخطر أسباب التصدع و التنافر الاجتماعي التعصب  والتطرف سواء كان دينيا او مذهبيا او سياسيا او قبليا ، و يمكننا القول بان التعصب هو عبارة عن حالة من الحماس المفرط و الولاء المطلق تجاه رأي او موقف او مدرسة فكرية او مذهب أو حزب تجعل من صاحبها في حالة غضب و تشنج مع كل ما يخالفه ، و خصومة مع كل من يخالفه في مقابل حالة انسجام و تجانس مع كل من يتوافق معه ، فالمتعصب لا يرى الاخر و لا يسمع له و لا يحترمه بل يقزمه و يحتقره ؛
و عندما ينموا المتعصب و يلتحم بالسلطة تنبت له الانياب و المخالب التي يتم توظيفها ـ غالبا ـ في اجراءات ظالمة ضد الاخر المخالف كمصادرة حقوقه و انتهاك حرماته و تشويه سمعته بل قد يصل الامر الى مصادرة حقه في الحياة ، و هذا ما يمكننا ان نعبره عنه بالتطرف المرتكز على السلطة و الذي بدوره يساهم في توليد حالة مضادة يمكننا تسميتها التطرف المضاد للسلطة ، و تكمن الاشكالية في التطرف المضاد للسلطة ان مدلوله قابل للتمدد الى تطرف ضد المجتمع فكل مواطن ليس معنا لا حرمة لدمه و هو ما يفسر بعض الاعمال الارهابية التي يتم تنفيذها في الاماكن العامة ضد المدنيين، الحصلة مغادرة الوسط لمصلحة الاطراف و شق المجتمع لمصلحة الافراد و تفتيت الوطن لمصلحة الاهواء  و هو أسوأ ما يمكن تخيله في هذا الصدد .
 السلم الاجتماعي و التلاحم الوطني نعمة و المحافظة عليها واجب و لا تكون بالخطب و المواعظ الموسمية فقط و انما بجملة امور تبدأ بالمناهج المدرسية الراشدة التي ترسخ القيم و تعترف بالتنوع ، و العدالة الاجتماعية الواعية التي تضمن التوزيع العادل للثروة  ، المواطنة الراسخة التي تضمن تساوي الفرص ، و لن يتم ذلك الا من خلال جملة قوانين و لوائح و اجراءات و انظمة عمل سليمة بالإضافة الى مؤشرات رصد قادرة على قياس حالة السلم و الرضى الاجتماعي .

 السلم الاجتماعي و تماسك المجتمع و وحدة الوطن مسؤولية وطنية و اجتماعية يجب على الجميع المساهمة في تعزيزها و المحافظة عليها .... يتبع 
هاشم العريمي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق