الثلاثاء، 31 مارس 2015

(الدولة المبدعة / سويسرا انموذجا )

                                    (الدولة المبدعة )

توجهات الدولة تؤثر في اهتمامات الأفراد :
روى أصحاب التاريخ في كتبهم قالوا:
كان الناس إذا أصبحوا في زمن الحجاج يتساءلون إذا التقوا : من قتل البارحة و من صلب و من جلد و من قطع و ما أشبه ذلك .
فلما جاء زمن الوليد بن هشام و كان صاحب ضياع و يحب اتخاذ مصانع ـ أي المباني العظيمة ـ فكان الناس يتساءلون في زمانه عن البنيان و المصانع و الضياع و شق الأنهار و غرس الأشجار .
و لما ولي سليمان بن عبدالملك و كان صاحب طعام و نكاح :كان الناس يتحدثون و يتساءلون في الأطعمة الرفيعة و يتغالون في حفلات الزواج و اتخاذ السراري و يعمرون مجالسهم بذكر ذلك .
و لما ولي عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه كان الناس يتساءلون : كم تحفظ من القرآن و كم وردك كل ليلة و كم يحفظ فلان و في كم يختم و كم يصوم من الشهر و نحو ذلك .!
إن جميع هذه المشاهدات عبارة عن استجابات لا شعورية من السواد الأعظم المفطور على تقليد المسموع و المنظور و إتباع القيادة السياسية و التناغم مع اهتماماتها و توجهاتها و قطعا هذه الحالة لم تكن مضطردة و إنما على سبيل الغالب.
ما الذي يعنيه هذا الكلام ؟                                         
هذا الكلام يعني ضرورة الانتباه إلى اثر القيادة السياسية في الدولة و توجهاتها على المجتمع و على الحياة العامة فكلما كان توجه القيادة ايجابي كما في النمط الثاني و الرابع كانت أصداء هذا التوجه و تردداته ايجابية و فعالة .
ـ الإبداع السويسري وقفه تستحق التأمل :

قبل اربعة قرون و بعد معارك ضارية انتصر فيها السويسريون على جيوش النمسا عاونوا البابا في ايطاليا ضد ملك فرنسا الغازي لها و انتصروا عام 1513م في معركة ميلانو و لكن ملك فرنسا عاود الهجوم عام 1515م و احتل ميلانو و هزمهم فقرر السويسريون انتهاج سياسة الحياد و ارتضوها لأنفسهم و منذ ذلك اليوم قلصوا حجم جيشهم و التزموا الحياد كسياسة دائمة .
لكن الزمن كان زمن النهضة العملية و الثورة الصناعية و قادت بريطانيا هذه الثورة و لحقت بها فرنسا و المانيا ثم ايطاليا و كثر الانتاج بسبب استعمال الآلة فكان لا بد من ايجاد اسواق كبيرة لتصريف هذا الانتاج الضخم و جمع اموال الشعوب و لتوفير مصدر مجاني لا ينضب من المواد الاولية فكان الاستعمار و الصراع بين الدول الكبرى على احتلال افريقيا و آسيا من أجل ذلك.
هنا وجد السويسريون أنفسهم في مأزق انهم بحكم الحياد لا يستطيعون انتهاج سياسة استعمارية تضمن موارد الخامات و التسويق الواسع و لذلك فانهم ان انتجوا نفس منتجات الدول الكبرى فان عامل المنافسة لا يكون في صالحهم و سيغلبون و يتحطم اقتصادهم بعد حين .
ثم تأملوا فوجدوا انهم في مأازق آخر  ان دولتهم لا تطل على بحر بل هي مغلقة و تحيط بها جبال عالية و ذلك يعني انتفاء إمكانية الشحن البحري الرخيص و ان انتاج الأشياء الثقيلة سيضاعف عليهم أجور النقل فتنتفي مرة ثانية إمكانية المنافسة في الأسعار فوق ما في النقل البري من تعقيد سياسي و ان بإمكان الدول المجاورة حصار سويسرا اذا كان ذلك ضروريا لحماية إقتصاد الدول الاستعمارية ، اذا ما العمل ؟
هنا كان الإبداع و القفز على المصاعب و استثمار قاعدة ( رب ضارة نافعة ) ، و عبر مؤتمرات ربما ، أو عبر مجالس تخطيط توصل السويسريون الى حل ذي شعبتين و اضافت له الأيام ثالثا .
رأوا أولا ان الدول الاستعمارية تنتج الانتاج الثقيل و الانتاج الاستهلاكي الواسع فاختاروا الصناعات الخفيفة و الانتاج للخاصة مما يخف حمله و يغلوا ثمنه و تحتاجه حتى الدول الاستعمارية نفسها و هكذا ازدهرت صناعة الساعات بشكل خاص و العدسات و النظارات و اطاراتها و جلي الاحجار الثمينة و صياغتها في حلي و تصفية الذهب و ضمانة من الغش و الاقلام و المنسوجات الراقية المستوى و امثال ذلك و تخصصوا في هذه المجالات .
ثم راوا ثانيا ان حالة الحياد تعني الاستقرار و الأمن الدائم و هذا شرط مهم لحركة المال فابتكروا التوسع في إنشاء البنوك و منحوا العملاء ضمان السرية التامة لما يودعون فاجتمعت عندهم أموال الأثرياء من أوربا و كل العالم و أموال الحكام السارقين للأموال العامة و أموال المافيا فتوسعوا في الاتمان المصرفي و اقراض معامل الدول الإستعمارية و تحصيل فارق الربا اي انهم اشتغلوا بأموال غيرهم حتى صارت سويسرا من أغنى الاغنياء.
ثم مع الأيام وجد السويسريون أنفسهم أنهم لا يخصصون ثلث أو نصف ميزانياتهم لتكوين جيش أو شراء أسلحة بل كان المال المخصص لذلك يذهب لبناء البلد و تحسين البنية الأساسية و تحقيق الرفاهية للشعب و كان المزيد من السواعد تعمل في ذلك بدل حمل البندقية ، و قد واكب الازدهار السويسري تقدم في وسائل المواصلات فصارت سويسرا مكان السياحة الأول في العالم و اشترى الأثرياء فيها قصورا بسبب أمنها و صارت مكانا للمؤتمرات و المفاوضات و مراكز المنظمات و انفتح مصدرا ثالثا للمال لم يكن في الحسبان.(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1ـ منهجية التربية الدعوية ، محمد احمد الراشد ص 266 ( بتصرف ).


هناك تعليق واحد:

  1. Blackjack Table - The Blackjack Table at Borgata Hotel & Casino
    Blackjack Table at Borgata Hotel & Casino offers the most 군산 출장안마 exciting 순천 출장안마 game of งานออนไลน์ blackjack in the Garden 용인 출장마사지 State. Bring your favorite casino games 오산 출장안마 to Borgata Hotel

    ردحذف