الأحد، 22 مارس 2015

الفساد بين مكافحته و مكافئته (7)



الفساد بين مكافحته ... و مكافئته (7)

ـ ثانيا : ـ مفاهيم مهمة لمكافحة الفساد : 

1ـ الفساد تربة و ليس نبته :

لا يمكن لأي مجتمع أو نظام او حكومة ادعاء تمكنه من القضاء على الفساد نهائيا و تصور إمكانية ذلك ضربا من ضروب القصور الفكري ؛ فالفساد ليس نبته نمت على ظهر الأرض يمكننا إزالتها و ينتهي الأمر ، بل هو التربة بكل مكونتها القابلة لاحتضان بذوره و جذوره ؛
حتى إذا وجدت تلك البذور الكامنة المناخ و البيئة المناسبة نمت و ترعرعت و أصبحت شجرة كبيرة تضرب بجذورها في أعماق الأرض أو نبته صغيرة تتلمس الطريق نحو النمو أو أعشاب ضارة سريعة الانتشار تشوه كل ما هو جميل و تفسد كل ما هو صالح ... لذا فكل ما يمكننا فعله هو محاصرة الفساد و تضيق الخناق عليه و صناعة مناخ و بيئة لا تساعد على ولادته و لا نموه ، بالاضافة الى تعهد التربة بين الحين و الآخر لاجتثاث طلعه كلما اطل برأسه و استخدام المبيدات اللازمة للقضاء على بذوره و جذوره .

2ـ الفساد لا يحاصر بالمواعظ و الفتاوى : 

ليس تقليلا في أثر المواعظ و الفتاوى و دورها و لكن لوضعها في حجمها و سياقها الطبيعي .
ان عالمنا العربي و الإسلامي مغرم بالمواعظ و الفتاوى يعتقد ان موعظة واحدة للشيخ الفلاني أو فتوى واحدة للعلامة الفلاني كافية لحل كل جميع المشكلات ... ! ثم لا تبرح الأيام حتى نكتشف بأن الشيخ الفلاني أو العلامة الفلاني جزءا أصيلا من منظومة الفساد و أحد أركانه... بل إن الامر قد يتجاوز ذلك حينما نكتشف ان عددا من المؤسسات الدينية تنافس غيرها من المؤسسات في حجم الفساد ، هذا واقع مؤلم يحتاج الى علاج أكثر من حاجته إلى نفي ودفاع ، في عالمنا العربي و الإسلامي هناك الكثير من المؤسسات الدينية التي ينخر فيها الفساد حتى النخاع بسبب الفوضى و ضعف النظام الإداري و رخاوة الرقابة و انعدام العقوبات الرادعة ... و من الغرائب في إحدى المؤسسات الدينية حيث تم اكتشاف أئمة مساجد تصرف رواتبهم بانتظام رغم وفاتهم قبل عدة أعوام ! كما تم رصد عددا من التجاوزات السلوكية و الأخلاقية لأئمة مساجد و خطباء نحن لا نتعجب من وقوع الخطأ و لكن نتعجب من احتضانه و ممالأته و التربيت عليه .

3ـ التغاضي عن الغش في المدارس = تربية مبكرة على الفساد :

كان و لا يزال وعينا بخطورة الغش متدنية رغم النصوص الدينية الواضحة في هذا الصدد فمن منا لا يحفظ قوله صلى الله عليه و سلم ( من غشنا فليس منا ) و في رواية ( من غش ) و رغم ذلك نسوغ الغش و نغض الطرف عنه بغية الحصول على مقعد في الجامعة او بعثة لا نستحقها ، و لو خير بعضنا بين رسوب ابنه و بين نجاحه بالغش لاخترنا الثاني ... هناك إشكال في الوعي بخطورة الغش و النجاح الوهمي ، إننا نريد نجاحا لم ندفع ثمنه .... و تفوقا لم نسدد فاتورته ... و نهضة لم نعمل لأجلها ... و حضارة لم نصنعها ... و نصرا لم نجاهد في سبيله ... .
ان شريحة غير قليلة من طلابنا لا تزال تعاني من حالة إرباك و انفصام حول مفهوم الغش حيث ان في المؤسسة التي تعلمه من غشنا فليس منا هي ذاتها قد تمارس خلاف ذلك ، ان قيام بعض المعلمين و المشرفين بتلقين الأجوبة للطلاب ليرددوها كالبغبغاوات امام المراقب او المسؤول الزائر في ما يشبه بالمسرحية تربي طلابها على الغش و الخداع و التدليس ... ان المعلم او المشرف الذي يقوم بتسهيل عملية الغش و تسويغه يزيد من حالة الارباك لدى الطلاب و يربيهم على تقبل الانفصام بين القيم و الرغبات لمصلحة الرغبات ، و عندما نجد مؤسسات تعليمية تتبنى النجاح الوهمي من خلال تسهيل عملية الغش و تسويغه لتحقق مؤشرات عالية في عدد المتفوقين فكل ذلك يدل على وجود فراغ رقابي في هذا الجانب .
ان هناك مناطق و ولايات يعرفها و يقصدها طلبة المرحلة الثانوية لكون طواقم المراقبة فيها تساعد الطلاب ـ حسب تعبيرهم و كلمة تساعد هنا تعني تغشش ـ لذا فلا بد من رفع مستوى الوعي بمخاطر الغش و تداعياته ، هل تقبل بان تجري عملية على يد طبيب نال شهادته بالغش ؟ 
هل تقبل بان تسافر على متن طائرة قبطانها لجأ إلى الغش ليجتاز اختبار الطيران ؟
هل تقبل بأن تكلف مهندس غشاش لكي يبني لك منزلك ؟
لا بد من وقفة حازمة مع الغش كمفهوم و دلالات و سلوك و نتائج و اتخاذ القوانين و الإجراءات اللازمة لمحاصرته و تحجيمه . 
هاشم العريمي 
(هذا المقال جزء من سلسلة مقالات حول التجربة الماليزية و هي عبارة عن توثيق للرحلة التي قام بها الكاتب الى ماليزيا ضمن برنامج تدريبي بعنوان التجربة الماليزية في الفترة من 16 - 21 / 4 / 2014م )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق