الاثنين، 23 مارس 2015

بين الجسد و الروح (2)

بين الجسد و الروح (2)

ـ الروح جوهر الإنسان :

الروح جوهر الإنسان و حقيقته إنها النفخة العلوية التي تسري في كتلة اللحم و العظم فتبعث فيها الحياة ، و هي من أسرار الخلق و مظهر من مظاهر إعجاز الخالق سبحانه قال تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الإسراء (85) ؛ لذا فالبناء الحقيقي للإنسان يبدأ بالبناء الروحي و سوف نسلط الضوء على بعض المعاني المرتبطة بالبناء الروحي:
1. العبادات القلبية في بؤرة التركيز : يجب أن نجعل العبادات القلبية في بؤرة تركيزنا لأنها باعثة و ممحصة و منقية ، فهي باعثة للنفس على طلب الخيرات ، و ممحصة لها من الأخلاط ، و منقية لعبادات الجوارح من الشوائب ، فعبادة الخوف و الرجاء ، و الشكر و المحبة ، و الإخلاص و التوكل ، و اليقين و الصدق ، و التواضع و الإخبات ، و مراقبة الله في السر و العلن … لها أثر كبير و عميق في بناء المؤمن السوي القوي النقي ، و قد يعتبرها البعض أحوالا و مقامات و نتائج لأمور سبقتها …، و لكن ما علينا إدراكه أن هذه العبادات مقدمات و لوازم أساسية لدخول الجنة فلن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر و لا يكتمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفس و حتى يكون المصطفى صلى الله عليه و سلم أحب إليه من والده و ولده و الناس جميعا …كما قال صلى الله عليه و سلم ، لذا فالإتقان في عبادات القلوب من أسباب القبول كما أنه صمام أمان للأعمال من عقوبة الإحباط فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله هباء منثورا . قال ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا ، أن لا نكون منهم و نحن لا نعلم ، قال : أما إنهم إخوانكم ، و من جلدتكم ، و يأخذون من الليل كما تأخذون و لكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) رواه ابن ماجه و صححه الألباني.
2. بين القلب السليم و السقيم : الروح السليمة انعكاس للقلب السليم و بين القلب السليم و السقيم مسافة …. فهي مسافة قريبة في الدنيا بعيده في الآخرة فإصلاح القلب قرار يملكه الإنسان في دنياه … و لفساد القلب نتيجة يجنيها الإنسان في آخرته و بين القلب السليم و السقيم مسافة شاسعة في الآخرة لا يعرفها إلا الله ، فطهارة القلب و سلامته من العلل و الأمراض مطلب نفيس حرص عليه الصالحون فهذا إبراهيم عليه السلام يناجي ربه قائلا (ولا تخزني يوم يبعثون (87) يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم (89)) سورة الشعراء ، لقد علم الصالحون أن القلب هو محل نظر الله عز و جل فاشتغلوا بصلاحه و إصلاحه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ “.رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
3. معاصي القلوب تخنق الروح و تمحق الدين : انطلاقا مما تقدم وجب التنبيه على خطورة معاصي القلوب و ضرورة التخلص منها فهي اشد فتكا بالإنسان من الأسلحة الثقيلة ! فألد أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبيه … فالحسد و الحقد و النفاق و الشح أمراض خطيرة تخنق الروح و تمحق الدين روى الترمذي عن الزبير أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِىَ الْحَالِقَةُ لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ … ) ، و قد قال الشاعر :
يا خادمَ الجسم كم تشقـى بِخدمته …… أتطلب الربح فيمـا فيـه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها …… فأنـت بالروح لا بالجسم إنسـان
إن علمية البناء الروحي في حقيقتها عبارة عن عملية بعث و إحياء للإنسان من غياهب الموت قال تعالى ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ) الأنعام (122) .
4. غذاء الروح قبل غذاء الجسد !: في معترك الحياة اليومي يحتاج الإنسان بشكل دائم إلى غذاء الروح ليحافظ على إتزانه في سيره إلى الله ، فالروح تجوع كما يجوع الجسد و لكل منهما غذاءه فغذاء الجسد في الطعام و الشراب و غذاء الروح في الإتصال بالله من خلال العبادات و الأذكار ، و كما أن الإهمال في غذاء الجسد يؤدي إلى الأسقام و تلف الأبدان و موت الإنسان ، فإن الإهمال في غذاء الروح يؤدي إلى سقم الروح و إضطرابها و موتها ، إلا أن موت الإنسان يعني فيما يعنيه تلف جسده و انتقال الروح من دار الدنيا إلى دار الآخرة ، أما موت الروح فيعني السير بخطى حثيثة إلى جهنم انه انتقال من أسر الجسد و أغلال الدنيا إلى ذل المعصية و أصفاد الحطمة.

هاشم العريمي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق